تجربة عملية بمصر لإقرار لحظة الموت
يبدو أن الجدل الطويل حول تحديد لحظة الوفاة دخل مرحلة الحسم، فبعد التجربة العلمية الفريدة التي قام بها مركز أمراض الكلى والمسالك البولية بالمنصورة في مصر، بالتعاون مع البرنامج الوطني لزراعة الأعضاء بالجماهيرية الليبية؛ تم إثبات أن انفصال المخ وتوقف نشاطه يعني بالضرورة موت الكائن الحي.
قام المركز بتجربة علمية يوم 30 مارس 2008 عبر فصل رأس كلب عن جسده، مع بقاء أعضاء الجسم تعمل بكفاءة، وذلك في إطار حملة لتوعية الأطباء الذين تساورهم بعض الشكوك في مسألة تحديد لحظة الوفاة، وهو ما يؤكده الدكتور أحتيوش فرج أحتيوش المنسق العام للبرنامج الوطني لزراعة الأعضاء في ليبيا.
والهدف الرئيسي من وراء تلك الحملة هو إيجاد مفهوم واضح للوفاة، وحسم الخلط بين الموت السريري والدماغي والخلوي، إلى جانب تحديد الفرق بين موت الدماغ والغيبوبة، والأهم من كل ذلك إثبات أن الموت واحد ولا يوجد له أنواع بالأدلة القاطعة، مما يسمح بتوسيع قاعدة التبرع بالأعضاء مستقبلا.
بدأت فكرة هذه التجربة بمناقشة دارت بين الدكتور أحتيوش فرج أحتيوش والدكتور حسن أبو العينين أستاذ جراحة المسالك البولية ومدير مركز أمراض الكلى والمسالك بالمنصورة؛ لتنتقل بعد ذلك إلى مرحلة التنسيق للعمل الفعلي.
وكإحدى ثمار التعاون بين مصر وليبيا في مجال زراعة الأعضاء، تم التنسيق للتجربة التي شارك فيها الدكتور حسني عجاج أستاذ التخدير بجامعة الفاتح بطرابلس ومعه مجموعة متميزة من أطباء التجارب العملية في مصر.
خطوات التنفيذ
لتنفيذ التجربة كان لا بد من توفير بعض الاحتياجات، أهمها تحديد الحيوان المناسب لإجراء العملية عليه. وكما هو معتاد في المركز وقع الاختيار على أحد أنواع الكلاب الضالة التي تشكل خطراً على الانسان والصحة والبيئة، وغالبًا ما يكون مصيرها الموت، حيث خضع الكلب محل الدراسة لعلاج مطول لمدة 3 أسابيع لضمان خلوّه من الأمراض.
استغرق إجراء العملية حوالي ساعتين، حيث تمت على مرحلتين كالتالي:
المرحلة الأولى:
• يتم تخدير حيوان التجارب، ومدّه بالأكسجين اللازم لتنفسه عن طريق أنبوب يصل إلى القصبة الهوائية.
• يتم فصل الشرايين والأوردة التي توصل الدم إلى المخ؛ ليتوقف عن تغذيته.
• وبتشخيص بعض العلامات السريرية المعتادة يتأكد الأطباء من أن الموت قد تحقق.
المرحلة الثانية:
• يتم فصل رأس الحيوان عن جسده، مع استمرار نفخ الهواء في رئتيه باستخدام جهاز التنفس.
• يتم مدّ الحيوان بالأدوية والمحاليل الطبية لمساعدة عضلة القلب على الحركة.
ومن هنا يمكن التأكيد أن بقاء الخلايا على قيد الحياة لا ينفي موت الكائن، ويعلق الدكتور أحتيوش قائلاً “تبقى بعض الأعضاء تعمل بعد منع الدم من الوصول للمخ، وكذلك أغلب الخلايا، ولكن ذلك لا يدل على الحياة، فاستمرار نبض القلب على سبيل المثال لا يعني الحياة، كما أن موت عضلة القلب أو توقفها المفاجئ قد يعالج ويعود بعدها المريض لحالته الطبيعية، وبالتالي فإن توقفها عن العمل لا يعني الموت ولا يوقف الحياة”.
موت الدماغ أم غيبوبة؟
وعلى الرغم من كل هذه الأدلة فإن كثيرًا من الناس يعرضون عن الاقتناع بهذا المفهوم، أملا في استيقاظ أو تحسن حالة ذويهم من المرضى؛ ولذا يوضح الدكتور حسني عجاج أن الحديث هنا يخص حالات موت الدماغ وليس الغيبوبة.
ويكمل قائلاً “هناك خلط عند عامة الناس، بين مفهوم الغيبوبة وموت الدماغ، ففي الأولى يكون ضخ الدم إلى الدماغ موجود، أي أن المخ ما زال حيًّا جزئيًّا أو كليًّا، وقد يعيش مريض الغيبوبة فترة طويلة تصل إلى سنوات. أما في حالة توقف نشاط المخ فإن الدم لا يصل له كليًّا، كما لو كان مفصولاً عن الجسم، وبالتالي يموت الدماغ مباشرة وبشكل نهائي في مدة أقصاها 15 دقيقة، ولا يبقى الجسد حيًّا لأكثر من أسبوع”.
ويمكن التفرقة بينهما من خلال التصوير المقطعي للمخ والذي يبين وجود الدم من عدمه في الجمجمة، وفي حالة موت الدماغ تسمى “الجمجمة الفارغة”، وإذا قمنا بفتحها سنجد أن الدماغ قد تحلل بشكل نهائي، أي لا يوجد دماغ حي على الإطلاق.
زراعة الأعضاء.. بريق أمل
“إذا كان إثبات الفرق بين الموت الدماغي والغيبوبة سوف يجعل إنسانًا واحدًا ينقذ على الأقل خمسة أشخاص من الموت، فهي تجربة تستحق العناء” هذا ما قالته الدكتورة نشوى بركات دكتورة الجراحة التجريبية البيطرية بمركز أمراض الكلى والمسالك البولية بالمنصورة، وأضافت أن المعاناة التي يعيشها مرضى الفشل الكلوي في رحلة البحث عن متبرع، كفيلة لحث جميع الجهات على المساعدة في نشر المفهوم الصحيح للتبرع بالأعضاء، فحالة واحدة من حالات الموت الدماغي قد تهب أكثر من حياة جديدة عن طريق التبرع بالأعضاء.
إعادة بلورة المفاهيم
وعن أهمية هذه التجربة في وضع المفاهيم في نصابها الصحيح تحدث الدكتور حسن أبو العنين قائلاً “نحن في حاجة مُلحّة لتوافر أعضاء بشرية، وليس هناك مصدر لمثل هذه الأعضاء إلا جسم الإنسان، ومصر تعاني من تأخر في إصدار قانون يبيح أخذ الأعضاء من حديثي الوفاة، ويزيد على ذلك؛ الاختلاف في تعريف الوفاة -وفاة جذع المخ-، حيث يقول البعض أن المريض الذي ينبض قلبه؛ هو حي، ولا يمكن استئصال أعضائه؛ لذا لا توجد طريقة لإثبات خطأ هذا الاعتقاد سوى هذه التجربة العملية؛ لتبطل الحجة التي تقول إن الجسم قد تُوفّي، فقط إذا توقفت جميع أعضائه عن العمل”.
الشرع.. ما بين مؤيد ومعارض
ويعلق الدكتور محمد عبد اللطيف البنا مدير النطاق الشرعي بموقع إسلام أون لاين حول مسألة الموت الدماغي فيقول “اختلف العلماء بالنسبة لموت المخ، وهل يُعَدّ سببًا في إعلان الوفاة ما بين مؤيد ومعارض، فالأستاذ الدكتور حسان حتحوت الطبيب والداعية الإسلامي، يبين أن الحياة توجد بوجود المخ حيًّا فيقول: إن العلم الطبي قد اهتدى إلى أن العبرة في الموت ليست أساسًا بتوقف القلب والتنفس.. ولكنها تتوقف أولا وآخرًا على موت المخ الذي يستبين بتوقف النشاط الكهربائي للمخ تمامًا وهو ما يمكن قياسه بجهاز خاص، فإذا غاضت كهرباء المخ تمامًا، فهو مخ ميت ويكون باقي الجسم قد دخل في نطاق الموت إلى مرحلة اللاعودة، ومهما احتفظ الإنعاش الصناعي بالتنفس ودورة الدم فمحال أن يعود المريض إلى الحياة أبدًا”.
بينما يرى الدكتور توفيق الواعي الأستاذ بكلية الشريعة والعلوم الإسلامية بالكويت أنه ينبغي ألا نركز على عضو واحد في الجسد ونربط به الموت والحياة، فإن القصص القرآني وضح الفرق بين إنسان مات ثم بُعث، وإنسان فقد إحساسه ثم أيقظ، وكان الفرق الوحيد بينهما: انحلال الجسد في الموت وعدم انحلاله في الإيقاظ، وضرب من الأمثلة على ذلك قصة الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها وقصة أصحاب الكهف.
والفقهاء يهمهم في المسألة التأكد من الموت، بأمور معينة تعرف بها نهاية الحياة.
ولقد حسمت المجامع الفقهية المسألة فقد صدر قرار لمجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية صفر 1407هـ/ أكتوبر 1986م. أن من علامات موت الإنسان:
– توقف قلبه وتنفسه توقفاً لا رجعة فيه
– تعطل دماغه عن العمل تماماً، وبدء تحللها، وفي هذه الحالة يسوغ رفع الأجهزة عن الجسم على الرغم من استمرارية عمل بعض الأعضاء كالقلب مثلاً.