محمد عقيلة العمامي
في عالمنا العربي يتحمل الأخ الكبير، دون بقية إخوته، مسؤولية الفشل كاملة، أما النجاح فغالبا ما يتقاسمه أخوته معه! ولعلنا نتفق أن أمانتي – أو وزارتي – التعليم والصحة هما بمثابة ” الأخ الكبير” في العائلة! وهما في الغالب يعاملان معاملته! فلا أظن، مثلا، أن الطرق كلها في بلادنا آمنة وخالية من المطبات، ولا حركة الطيران مقنعة ومنتظمة، ولا الأحوال الاجتماعية في أحس حالاتها، والأمر ينسحب، باختصار شديد على ” أخوة ” الصحة والتعليم كافة، ومع ذلك يكاد اللوم يقتصر على الأخوين الكبيرين؛ وهذا، للأسف الشديد، يخفى أحيانا معالم نجاحات كاملة يتعين أن يعرفها الجميع
منذ أيام قليلة التقيت، بعد حوالي أربعين عاما، بالأستاذ الدكتور حتيوش فرج احتيوش، رئيس قسم الجراحة بمستشفى طرابلس المركزي وخلال حديث متشعب علمت منه أن نسبة نجاح عمليات زرع الكلي عندنا بلغت % 97 تفوق علينا بضعة دول ذكر منها كندا والولايات المتحدة الأمريكية، والحقيقة أن زائر قسم الجراحة الحديث بمستشفى طرابلس قد يقتنع تماما حتى من دون أن يتأكد من إحصائيات سجلات القسم بمجرد أن يرى المبنى المجدد، الذي يعج بأطباء ليبيين وبممرضات من مختلف الجنسيات وبالأجهزة الطبية الحديثة
ومنذ أسابيع زرت الدكتور على السمين الذي تعافى تماما بعد عملية القلب المفتوح، التي أصر على إجرائها في بنغازي، على الرغم من قرار صدر بإيفاده إلى الخارج! لم أسأله في حينها على إصراره، ولكن بعد أن تكللت عمليته بنجاح كامل أردت أن أعرف منه سبب قراره. قال لي ما معناه إنه لو قبل علاجه في الخارج فإنه يوصم نفسه علنا بالكذب والنفاق!
” كيف؟ ” سألته، فقال
” أنفقت ثلاثين عاما أمارس مهنتي، وكان المرضى يثقون في تشخيصي، مؤكدا لهم قدرة الطبيب الليبي على ممارسة مهنته بل وتفوقه فيها، ثم عندما يمسني الأمر مباشرة أهرع إلى طبيب ألماني! ذلك أمر لا أتقبله أبدا خصوصا وأنا أثق ومقتنع تماما في قدراتنا!
لقد اقتنعت بوجهة نظره، ثم تأكدت من خلال لقاء صحفي معه. ثم وصلتني منه رسالة الليلة البارحة يقول فيها
عاد الدكتور خالد وريث إلى بنغازي الأسبوع الماضي وأقام ورشة عمل بعد أن تم تجميع بعض الحالات المستعجلة وخلال خمسة أيام من عمل تواصل حتى ساعات متأخرة، قاد نجاح فريق ليبي من أطباء، وفنيي تخدير واختصاصي جراحة قلب، وممرضين متخصصات، فوفقه الله في إجراء 12 عملية قلب مفتوح تمت كلها بسلام!!
والآن دعني أوضح لك ما قد يساعدك على تفهم حجم هذا العمل الجبار: تقام يوميا ثلاث عمليات ضخمة تحتاج إلى ساعات النهار كله، ناهيك عن ساعات تحتاجها غرفة العمليات للتجهز السليم، ولعله من المفيد أن تعرف أن العملية الثانية غالبا ما تنجز قبيل العصر، أما الثالثة فغالبا ما يشرع فيها خلال فترة المغرب لتنتهي قبيل منتصف الليل، يأخذ بعدها الطقم في تجهيز غرفة العمليات لحالات اليوم التالي!
فهل بمقدورك أن تتخيل حجم المواد التي تستهلك في مثل هذه الحالات؟ ولا شك أنك تعلم أن قلب المريض موقوف والدورة الدموية والتنفسية تقوم بها آلات؟ فهل تتصور معاناة الطقم وهو يعلم أن حياة المريض رهن أيديهم وأن أية هفوة قد تنهي حياة المريض؟ طبيا ذلك عمل خارق. وهل بمقدور أحد أن يتخيل معاناة قسم التمريض وتفانيه بتواصل السهر طوال الأربع والعشرين ساعة خلال بقاء المريض تحت أعين العناية المركزة؟ ذلك أيضا عمل جبار لا يملك المرء تجاهه إلا تسجيل شكره وامتنانه البالغ لهؤلاء الجنود المجهولين
أخي محمد
كل ما أريد أن أكده لك أننا شعب خلاق، وأن أطباءنا، وفنيينا، وأطقم تمريضنا قادرة أن تكون في مقدمة الدول التي نمت بعدنا بكثير، غير ما نحتاجه هو عودة الثقة في كل ما هو” وطني “ فما زال أبناء شعبنا يعشقون بلادهم ولذلك سيقدمون لها كل ما بمقدورهم! أريد مرة أخرى أن أسجل امتناني واعتزازي وفخري بهذا الطقم البديع. وكل ما أرجوه ألاّ تتوقف العمليات بمستشفى القلب بمدينة بنغازي، فلقد توقفت فترة، ولكن المخلصين أمثال الدكتور خالد وريث لا يتوانون أبدا في تنظيم عمليات دورية لكل من تمنعه ظروفه من السفر إلى الخارج أو من يقتنع بقدراتنا وإخلاص أبنائنا فيرى أنه بين أيدي أمينة
فهل يتحقق ذلك؟ أعتقد أن الإدارة الحالية للمرافق الصحية عامة، ومستشفى القلب، واهتمام الأخ أمين الصحة خاصة قادرة على تذليل الصعاب كافة بما في ذلك تيسير السبل التي تحافظ على وقت الدكتور خالد وريث الذي يهدر الكثير منه في رحلاته المكوكية بين طرابلس وبنغازي. كل ما نريده إعادة الثقة كاملة في أبنائنا لأنه لا أحد يخدم الأباء مثل أبنائهم
هذا ما اخترته من رسالة صديقي الدكتور على السمين، المشحونة بامتنان بالغ لهؤلاء المخلصين الحقيقيين لليبيا
أما أنا، فليس لدى ما أضيف سوى أننا فعلا نحتاج لمن يأخذ بأيدينا لتعود الثقة كاملة في أطبائنا، وأدبائنا، وفنانينا، وموظفينا، وحراس منافذنا، وعمالنا وفلاحينا، وتجارنا ومقاولينا وكل الشرفاء الذين ما زالوا يخشون الله في كل ما يفعلون، وينتمون فعلا لهذا الوطن، وليس لأرصدتهم المتواصل تضخمها بتواصل ارتفاع معدلات الفساد في بلادنا!
ليبيا رائعة فدعونا نفرح بها فرح طفولتنا، دعونا ننطلق بها إلى مكانتها الذي تليق بتاريخ أجدادها
ذلك لا يتأتي إلاّ بعودة الثقة كاملة مثلما كانت من قبل وأكثر http://www.mashhadlibya.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1703:2010-10-25-20-57-34 المصدر صحيفة قورينا والمشهد الليبي - من ليبيا وعنها الى المهتمين بها للاطلاع تابع الرابط